فصل: الفصل الثاني: في الحيوان وأنواعه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التعريف بالمصطلح الشريف



.النوع الخامس: آلات الصيد:

في الفخ: وسقط على داهية ضمت له بين الجوانح، وضمنت لحتفه ما في أيدي الجوارح؛ وأمسكه قوس الفخ بكيده، وزاده قيدا على قيده؛ فأعجزه المصير، وضاق به منه فتر عن مسير.
في الشباك: وألقيت لها شباك إصابتها بعيونها، وصارت لمنونها؛ وجمعت عليها أطرافها فلم ينج منها حاسر ولا مدرع، ولا خلص من حبالها سابق ولا متبع؛ وأمسكت تلك الأبطال المدججة إمساك النقد، وألقتها في شباكها ولم تستعذ من شر النفاثات في العقد؛ فساقت حتى أقصى قصيها، واستلانت أعصى عصيها، وجاءت إليها بسحر السحرة بما ألقت من حبالها وعصيها؛ فأمسكت تلك السوانخ، ووقف في ميادينها تلك السوابح.
في الزبريطانة: ورمى بالزبريطانة فقذف ليلها المظلم أنجما، وأتبع بها مارد الطير فأمسى بشهبها مرجما؛ فنفخ بها في غير ضرم؛ وانتفخ من غير ورم؛ وقام ينفث فيها فألقى سم الأساود، ومد إلى شم الذرى بساعد، وسرحها بيده فكان السماك الرامح، وأكثر بها الصرعى فكان سعد الذابح؛ وصبب منها فوارة بنادقها الصغار ما تساقط من الماء، ووشيجها المقوم ما صعد إلى السماء.
في الصنانير: وعطفت لها من الصنانير تلك المحاجن، وأعلقت فيها تلك المحاسن؛ ودلت إليها في خيط كان لعنقها حبلا من مسد، وشممت هواء الدنيا فكان سببا لها إلى مفارقة الروح الجسد، وأخرجت من تحت ستور الماء مخباتها، واستؤذنت أبكارها وإذنها صماتها؛ ثم لما لببت تلك الطرائد وخيطت بتلك الأسافي أفواهها، وريعت بشنقها في تلك الجبال وفي لجج البحر أشباههان حملت منكسة على رمال من قصب، وأصيبت بسهام ما وصلت بجلد ولا عصب.

.النوع السادس: آلات المعاملة:

في الميزان: ونصب من الميزان عدل يرجع إليه، ويعتمد في الإنصاف عليه؛ محسن لا يغير إحسانه، ومنصف بغير الحق لا يحرك لسانه؛ لا يسعى به إلا من نجح، ولا يثقل في كتفه إلا من رجح؛ يرد بقيامه بالقسطاس المستقيم المفتري، وإن لم يكن من الميزان برج الزهرة فربما كان بيت المشتري؛ ولم يزل يستعاذ من خفته، ويعز من ثقل كفه بما في كتفه؛ وقد أعد يوم القيامة لأعمال الأنام، ورآه سيد هذه الأمة قد تدلى من السماء فيما قصه من المنام.
في الكيل: ومنذ فتح الكيل فمه صدق، واعتبروا به ولم يبق إلا مصدق؛ ورجعوا إلى حكمه وهو أصلح، ومذ علم على رقمه وتقلصت شفته قيل: أفلح؛ قد طلع رقمه، واضطلع به قرمه؛ أحد ما أمر القرآن بالوفاء بقسطه، وصح به السلم بشرطه؛ لم يسغ للذراع ولا للميزان تصريفه، ولا أدرك أحدهما مده ولا نصيفه.
في الذراع: وقد صح معه القياس، وقدر عليه اللباس، وتفاصل على الرضى به الناس؛ ميزان نصب بالقسط لا يفتقر إلى مثاقيل، ولا يرجع عنده ثقيل؛ لا يحتاج في إعطاء الحق إلى تعليق، ولا يضطر إلى تدقيق النظر لتحقيق؛ به تحصر المساحة، وتبرأ الساحة؛ ويحد من الحد ما يتبع، ويقوم به نوء الذراع ولا يقاس للثريا بشبر ولا للجوزاء بإصبع.
في المقص: وذكر هنا تبعا-: وهو الذي طالما واصله المرء فقطعن وجهد فلم يقع، في كل يد له غير درهم فاقتنع؛ روحان في جسد، واثنان بقلب واحد خلا من الحسد؛ كم صاح فأصبح كل ذي شقة بعيدة به صاعقا، وجثا بين القوم على ركبتيه ثم قص قصا صادقا.

.النوع السابع: آلات الطرب:

في الدف: وضرب بالدف فأحسن إذا ضرب، وجاء بمجموع الطرب؛ قد حمل الشمس منه دارة القمر، وطلع وحسنه قد بهر العيون وقمر؛ فناسب في فتح بنانه عليه وانضمامه، وأظهر نقص آلات الطرب كلها بتمامه.
في الشبابة: ولم يزل يهوى منها ناحلة صفراء باد شحوبها، ظاهر نحيبها؛ أنابيب في أجوافها الريح تصفر، إذا سد منها منخر جاش منخر؛ الرماح بها كل على القصب، وبنان ممسكها مملك وهي تاجه الذي به اعتصب؛ يود هفيف الدوح أنه منها يتعلم، ويقول لديها الحضور الصموت ونحن سكوت والهوى يتكلم؛ قد جلب الملهى بها السرور أو سبب، واستعار طربها لوصف الحبائب فلهذا إذا ذكر حبيبه قيل قد شبب.
في العود: آلة لا يضرب بها إلا مجيد، ولا تكون إلا بين صدر وجيد؛ يسر وقد وتر، ويطلق وهو في قبضة اليد قد أسر؛ كأنما علمته الحمائم أصواتها حين نشأت في الدوح، وألقتها عليه فنقلها إلى الغناء من النوح؛ كم عمر مجالس السرور وهو في مثل الحرب، وأطرب وهو في تقييد وضرب؛ ماس رطيبا، وطاب ولا غرو للعود إذا نفخ طيبا.
في الرباب: وضرب بالرباب فتذكر زمانه بالحبائب، وأيامه بتلك الربائب؛ فاهتز إلى الأحباب، وطرب بزينب والرباب؛ وطاب صوته على الترديد، ورق وقلبه من حديد؛ فلاحت به لأوقات السرور شارقة، وحثت به كئوس المدام ولا غرو أن يكون للرباب بارقة.
في الطنبور: آلة لولاها لما حصل النفاق لدنانير، ولا احتاج الطرب في دخوله إلى دستور الدساتير؛ حسن موضوعان وتفرق كل طرب فيه وجاء مجموعا.
في الجنك- وهو آلة محدثة-: وضمت من الجنك ما طال عنقا، وطاب عبقا؛ وأحدث فأحدث الطرب، واختصت العجم منه بما لم يعهد للعرب؛ لا يبعد من مقاربه فهم، ولا يكون سهم سرور إلا والجنك دونها هو المتصل بالسهم.

.النوع الثامن: آلات اللعب:

في النرد: وهو للزمان مثال، ولجملة السنة تمثال؛ مهاركه عدد أيام الشهر، وفصوصه تجيء مثل القضاء والقدر في تصريف الدهر؛ وخصاله سبعة كالجمعة؛ وبيضه وسوده مثل الليالي والأيام، وكله نقص ويطلب فيه التمام؛ وفيه تمثال لمدد الآجال، والتنقل من حال إلى حال؛ وما يأتي بغير كسب وما لابد فيه من أنه يكتسب، وما يكون بسبب وغير سبب؛ مما نجم من آفاق العجم إلا أنه محرم، ونار تتضرم.
في الشطرنج: معركة لا تطل فيه الدماء، وميدان خيل لا تجري فيه الشهباء ولا الدهماء؛ قد قرنت رخاخه، ونصبت للخيل فخاخه؛ وامتدت أسوار بيادقه، وقعدت شاهاته الملوك على نمارقه؛ وأوسعت فيه الأفكار المجال، وأتت فيه بغرائب البداية والارتجال؛ وطالما عقد فيه البند، وأوري بالمراشقة فيه الزند؛ وهالت فيه الأفيال، وبلغت فيه الفرازين ما لم تبلغه الأقيال.

.النوع التاسع: المسكرات وآلاتها:

في وصف الخمر على الجادة المعتادة: وسعى الساقي بكاسها، وصب الذهب من أكياسها؛ وفض عنها طينة ختام كانت طابعا لشمسها، ودواء مما يخامر العقول من مسها؛ وراضها بالمزاج ولولاه لجمحت، ولاينها بملاطكفته حتى جنحت؛ وافتض منها بكرا لم تعنس، وقدح منها نارا لو رآها عابدها لزمزم أو العيسوي لقدس.
في ذمها: وهي التي أترع الشيطان كأسها دهاقا، ولم يرض إلا بالعقول عليها إنفاقا؛ لم تورف كرمتها الظلال إلا لظلال، ولا خلقت طينتها إلا للخبال؛ أول ما سودت بالقار صحيفة دنها، وأساءت بالمساورة معاشرة خدنها؛ ولم تنكر خباثة الخندريس، وأن تعريش الحبب على مائها عرش إبليس.
في الكأس: والكأس هلال مالت شفته، وأفق محمر الشفق تمت صفته؛ شب في الكف والتهب، والكأس من فضة والراح من ذهب؛ كأنه تعريقة نون في يد الكاتب، أو معدن أصبح به حامل الكأس الكاسب.
في القدح: تكون من جوهر مكنون، وتجسد من هواء مظنون؛ واتخذ خدرا لابنة العنب، وطاف به الساقي فأصبح منه في راحة وهو في تعب؛ قهقه عليه الإبريق فصدح، وطار منه شرار المدام فقيل قدح.
في الإبريق: ولم يبق في ذلك المجلس إبريق حتى أتلع جيده، وملأ من ودج الراووق وريده؛ حتى غردت في دوحه البلابل؛ وطعنت الهموم بتلك الذوابل؛ وتنبهت بها المسرات وهي نيام، ومالت رقابها كأنها إوز بأعلى الرقمتين قيام؛ ولم يزل يدار حتى خفت الأوقار، ولم يبق في الإبريق إلا لواث فمه كأنما تناول ياقوتا بمنقار.
في ذم الحشيش: - وهي لا تحمد في حال-: وهي وإن كانت مما تنبت الأرض من قواتل السموم، والمضنيات للجسوم، فإنها حرام وإن لم ينص على تحريمها، حطام وإن رعى قوم في هشيمها؛ ضررها لا يعد، وإن لم يجب الحد فيها فإنه يجب التعزير وربما كان أمضى من الحد؛ ومن رآها وقذر منها وعلم أنها نجسة العين، وأن آكلها لاستيلاء السوداء عليه مثل غراب البين؛ وقد أساء آكلها لنفسه ما اختار، وأشبه البهائم فإن الحشيش ما يأكله إلا الحمار.

.الفصل الثاني: في الحيوان وأنواعه:

.النوع الأول: في الحيوان المذلل المعد للركوب:

في الخيل: اعلم أن صفات الخيل المستحسنة كثيرة امتلأت بها الكتب، وكثرت بها المعرفة حتى بقيت لا تكاد تجهل؛ وجماعها في الفرس أن يكون من عظم خلقه كالبنيان، وفي سرعة انعطافه مثل العنان، وفي اشتداد جريه مثل الطيران؛ ويكون رقيق لحم الخدين، واسع الشدقين، جاحظ العينين، حديد الحدقتين، مؤلل الأذنين، عريض الجنبين، ناتئ الصدر، قصير الوظيف، طويل النسا، قصير المطا، واسع الخطى، عريض الكفل، سائل الذيل، قصير عجم الذنب، صلب الحافر مقبقبه كأنه قعب الحالب، لين الجلد، ناعم البشرة، كأن دهنا سكب عليه.
وأزينها الشهب، وأصبرها الكمت، وأسبقها الشقر، وأحدها الدهم. وما سلم فيها من الوضح كان أشد- والغرة والحجول من الوضح-.
وهي نوعان: عراب وهماليج.
ويقال فيها: وقد أتحفناه من الخيل بكل سابق تقصر عنه الرياح، ويقص الطير وراءه الجناح؛ تظن السحب عن مباراته مشغولة، والبروق عند مجاراته مشكولة؛ لا يسمع للرعد وراءه إلا الأنين، ولا يرى النهار في ليل عجاجه إلا حمل أو جنين.
فمن أشهب جواد بما في يده، سابق يعد يومه الأبيض لغده، كأنما قمصه النهار بردائه، أو سمح له البدر التمام بروائه؛ قد صيغ من لجين، وصين نور البصر منه بسواد العين. - ومعه شهباء من جنسه لا تحدث عن غيرها محاسن الأنباء، ولا تعرف لحلب زبدة إلا لكونها حكتها وتسمت بالشهباء.
ومن أخضر لم يبعد عليه أرب، أخضر الجلد من بيت العرب؛ يطلع في أكمام اللبس نوارا، ويقدح من الشجر الأخضر نارا؛ إذا أم نازحا اقترب؛ وإذا بلله الركض جر ذيله على المجرة وملأ الدلو إلى عقد الكرب. - تتلوه خضراء عجلت بالشراء، وأقاما عذر بني أمية في حب الخضراء.
ومن أدهم كم دهم الأعداء رعب غرته المطلة، ودهى الأنواء بما أبكى سحبها المستهلة، وسلب الظلماء حلتها ثم دار على هلالها ومعه تتمة أربعة أهلة؛ أو عن لعنترة خياله لم يذكر لبان أدهمه، أو رأى البدر غرته لزرر في الليل جيبه على درهمه؛ إذا بلغ قبل ارتداد الطرف مداه كان قد اقتصر، وإذا قصر به أمد السرور زيد فيه سواد القلب والبصر.
ومن كميت، كم حي على تمني مثله كميت؛ وقد أسجف سواد الليل ذيل شفقه، وذر فتيت المسك على ورد ألقه؛ وخرط كالعقيقه، ورخص بملأ العليقه، وأشبه الروض فإن لم يكنه كان شقيقه.
ومن أشقر أغر كأنه قبس يتلهب؛ وقد قيد بحجولة لئلا يذهب؛ كأنما سلب البرق رداءه الموشع، ووقفت له الشمس كما وقفت ليوشع؛ وقر له كل سابق بأنه مسبوق، وأذعن له في الميدان لما جاء وعليه أثر الخلوق؛ - يجنب إلى جانبه شقراء طارت من زندة شراره، وأتت ما بين شقيقه وبهاره؛ لا يدانيها جواد ليس معها يدان، ولا يباريها إذا قيل له: هذه الشقراء وهذه الميدان.
ومن أصفر حبشي كأنما علق سبج بديناره، أو امتد خيط من الليف في أصيل نهاره؛ لا يفوته ما أراد من التحصيل، ولا ينكر له إذا كان كريما وهو أصيل.
ويدانيه صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، وتسوء المناظرين؛ كأنها سبيكة ذهب أفرغت، أو في ورش المغرب قد صبغت؛ لا تزال تتجمل بها الكتائب المنصورة، وتتقدم الجنائب منها صفراء كأنها راية السلطان المنشورة.
- ومن ذي بلق كأنما هو لابس بردين، أو جامع لضدين؛ إلا أنه قد ضم بردا وأرخى بردان وامتد فيه جنح الليل والنهار قد تبدى. - ويليه بلقاء تسوي مبلغ خراجهان وتدل على تمام الحسن باعتدال مزاجها؛ قد جاءت وفق ما أراد، وازداد حسنها بما جمعت من البياض والسواد.
- ومن الأكاديش الرهاوين كل سابق يبلغ الأمد القصي، ويخدم ركابه منه الخادم الخصي؛ يتمشى مشية المتمايل، ويظهر على بقية الخيل وهو المتخايل؛ أهون ما تمر به الوحول، وأسهل عليه قنن الجبال التي لا تتقحم مشاقها الوعول؛ قد أعرق في بني الأصفر فجاء كأنه دينار، وأقام في الروم سناقبس فتلهب كأنه نار؛ وتكفل براحة راكبه فكأن صهوته أوطأ المهود، وأخف ظهرا من الجياد العربية في قطع العقبة الكئود؛ كم حام في قلة شاهق من النسور، ونزل إلى قرارة واد لا يطن مستوطنه منه النشور؛ يتحدر تحدر الماء، ويصعد صعود الدعاء المتقبل فلا يزال حتى تفتح له أبواب السماء.
في البغال: وأكرم بها بغلة لا تغلو بقيمة، ولا تفخر إلا بنفسها لا بالأصول القديمة؛ يعتبر في الحسن جميع أحوالها، ويعتذر لها إذا قصرت العمومة بما طال من شرف أخوالها؛ ذروة أعدت لعالم، وصهوة لخليفة أو وزير أو حاكم؛ تتدفق كالسيل، وتترفق ولا يعجزها مطلع سهيل؛ لا يلحقها ما يلحق الخيل من الزهو، ولا ترتاد إلا للجد لا للهو؛ ذلت سكينة كأنما سمعت إنذارا، أو قدمت أعذارا، وأناة كأنما تراقب في دوس الأرض حذارا، وتبلغ الأقصى ولا يبل لها الركض سالفا ولا عذرا.
في الحمر: وبعث إليه بحمار صعيدي، لا ينسب راكبه إلى كبرن ولا ينقص عما يتعالى إليه جياد الخيل إلا قدر شبر؛ ولم يزل على راكبه السكينة، وهو أحد الثلاثة التي نوه الله بذكرها في قوله: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}؛ يبلغ عليه المدى البعيد، وييمم به الساري حيث شاء لأنه من الصعيد؛ مئونته خفيفة، ومقتنيه يسرجه ولا يجد عليه خيفة؛ وقد ركبت مثله الأنبياء، ولم يقتن غيره الأولياء؛ يؤمن منه النفار، وتقنعه النغبة من الجفار؛ لا يخشى راكبه بعد المهوى إذا سقط، ولا يعدم من محاسن البغال إلا عين الحاسد فقط؛ يحصل به ما يراد من الفرس في طول الأسفار، ويطمئن مودعه به إذا كان هو المثل فيما يحمل من الأسفار.
في الإبل: وهي نوعان: عجم وعراب؛ ثم العراب رواحل وجمال أثقال.
وقد أعددنا لبلوغ الغاية من الإبل ما اقتدنا به كل صعب، وحملنا عليه معنا كل صحب؛ وقدمنا منها سفائر ليل، وسفائن آل هي أقدر على قطع تياره من سوانح الخيل؛ واخترنا منها رواحل تطوي بها المراحل، وتساق سحبها التي هي كالإبل إلى البلد الماحل؛ وارتدنا منها كل طائر في الزمام، ضامر كالقسي يرمي بقتبه كالسهام؛ في هيئة جبال وهي جمال، وتمايل دوحة فرعاء وهي في سرعة التنقل ظلال؛ لا تباري الرياح خفافها، ولا تمكن على الأرض من حافر الحر أخفافها؛ قد طويت طي الأنابيب، ووسمت الأرض ببدور حولها من حوافر الخيل محاريب؛ ومعها برسم حمل الأثقال كل عبادي لو رآه عبدة ابن الطبيب لقصر عليه القول، أو الراعي لما انصرف بعده إلى الشول؛ أو زين به فناء ابن زبانة لم تلقه في النعم الغارب، أو حميت به رواحل امرئ القيس لما سمع قول العائب؛ يحمل الجمل منها ما لو حمل الجبل بعضه لتصدع، ويكابد جهد السرى لا يشكو ولا يتوجع؛ قد ألف بادية الأعراب فلا ينفك بين حل ومرتحل، ولا يبالي حيث شد راكبه وحل؛ قد طوى على الظماء أحشاءه، وذلل وما كان يعجزه عز الآباء لو شاءه؛ ومعه من العجم البخاتي ما يقطع الأرض بسار يساريك نزل معه النجم في أفقه، ويدك الصخرة في طرقه؛ ويغنى بحلي أوبار عما يضاهي به من الحلل، وتباهي به ذوات القباب الخشب ربات الكلل؛ عزت نفوسا، وطلعت من المشرق شموسا؛ وقصرت أيديها واشتدت زنودها، كأنما تهم بمواثبة عدو يكيدها؛ تنصب في أقطار الأرض كأنها الغيوم السواجم، وتقلد من أوبارها بأطواق زين البراجم؛ لا تمتد معها سوائم العرب، ولا تسري معها إذا مد السحاب رواق أنوائه وضرب؛ ولا يستطيع معها سلوك الوحول، ولا يحصل منها إلا على حوالات المحال إذا حصلت هي على حقيقة الوصول؛ تتباعد منها خطى وهي مثل أختها، وتتدانى منها شبها وإنما فضلت عليها البخاتي باستحقاقها لا ببختها.